الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الفتنة بين البساسيري وبني عقيل واستيلاؤه على الأنبار. لما سار الملك الرحيم إلى شيراز سنة إحدى وأربعين ثار بعض بني عقيل باردوقا فنهبوها وعاثوا فيها وكانت من أقطاع البساسيري فما عاد من فارس سار إليهم من بغداد فأوفي بأبي كامل بن المقلد واقتتلوا قتالا شديدا ثم تحاجزوا ورفع إلى البساسيري إلى قرواش أساء السيرة في أهل الأنبار وجاء أهلها متظلمين منه فبعث معهم عسكرا فملكوها وجاء على أثرهم فاصلح أحوالها وزحف قريش إليها سنة ست وأربعين فملكها وخطب فيها لطغرلبك ونهب ما كان فيها للبساسيري ونهب حلل أصحابه بالخالص وجمع البساسيري وقصد الأنبار وجرى فاستعاد من يد قريش ورجع إلى بغداد..استيلاء الخوارج على عمان. كان أبو المظفر بن أبي كاليجار أميرا على عمان وكان له خادم مستبد عليه فأساء السيرة في الناس ومد يده إلى الأموال فنفروا منه وعلم بذلك الخوارج في جبالها فجمعهم ابن رشد منهم وسار إلى المدينة فبرز إليه أبو المظفر وظفر بالخوارج ثم جمع ثانية وعاد لقتال أبي المظفر والديلم وأعانه عليهم أهل البلد لسوء سيرتهم فهزمهم ابن رشد وملك البلد وقتل الخادم وكثيرا من الديلم والعمال وأخرب دار الإمارة وأسقط المكوس واقتصر على ربع العشر من أموال التجار والواردين وأظهر العدل ولبس الصوف وبنى مسجدا لصلاته وخطب لنفسه وتلقب الراشد بالله وقد كان أبو القاسم بن مكرم بعث إليه قبل ذلك من حاصره في جبله وأزال طمعه..الفتنة بين العامة ببغداد. وفي صفر من سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة تجددت الفتنة ببغداد بين أهل السنة والشيعة وعظمت وتظاهر الشيعة بمذاهبهم وكتبوا بعض عقائدهم في الأبواب وأنكر ذلك أهل السنة واقتتلوا وأرسل القائم نقيبي العباسية والعلوية لكشف الحال فشهدوا للشيعة ودام القتال وقتل رجل من الهاشمية من أهل السنة فقصدوا مشهد باب النصر ونهبوا ما فيه وأحرقوا ضريح موسى الكاظم وحاقده محمد المتقي وضرائح بني بويه وبعض خلفاء بنى العباس وهموا بنقل شلوا الكاظم إلى مقبرة أحمد بن حنبل فحال دون ذلك جهلهم بعين الجدث وجاء نقيب العباسية فمنع من ذلك وقتل أهل الكرخ من الشيعة أبا سعيد السرخسي مدرس الحنفية واحرقوا محال الفقهاء ودورهم وتعدت الفتنة إلى الجانب الشرقي وبلغ إحراق المشهد إلى دبيس فعظم عليه وقطع خطبة القائم لأنه وأهل ناحيته كانوا شيعة وعوتب في ذلك فاعتذر بأن أهل الناحية تغري القائم بأهل السنة وأعاد الخطبة بحالها ثم عظمت الفتنة سنة خمس وأربعين وأربعمائة واطرحوا مراقبة السلطان ودخل معهم طوائف من الأتراك وقتل بعض العلوية فصرخ النساء بثأره واجتمع السواد الأعظم وركب القواد لتسكين الفتنة فقاتلهم أهل الكرخ قتالا شديدا وحرقت أسواق الكرخ ثم منع الأتراك من الدخول بينهم فسكنوا قليلا..استيلاء الملك الرحيم على البصرة. قد كنا قدمنا أن الملك الرحيم لما قدم بغداد بعد أبيه أقر أخاه أبا علي على إمارة البصرة ثم بدا منه العصيان فبعث إليه العساكر مع البساسيري القائم بدولته وزحف أخاه إلى البصرة وبرزوا إليه في الماء فقاتلهم عدة أيام ثم هزمهم وملك عليهم الأنهار وصارت العساكر في البر إلى البصرة واستأمنت ربيعة ومضر فأمنهم وملك البصرة وجاءته رسل الديلم بخوزستان يعتذرون ومضى أبو علي فتحصن بشط عثمان وخندق عليه فمضى الملك الرحيم إليه وملكه ومضى أبو علي وابنه إلى عبادان ولحق منها إلى جرجان متوجها إلى السلطان طغرلبك فلما وصل إليه بأصفهان لاقاه بالتكرمة وأنزله بعض قلاع جرباذقان وأقطع له في أعمالها وأقام الملك الرحيم بالبصرة أياما واستبدل من أجناد أخيه أبي علي بها واستخلف عليها البساسيري وسار إلى الأهواز وترددت الرسل بينه وبين منصور بن الحسين وهزارشب فدخلوا في طاعته وصارت تستر إليه وأنزل بارجان فولاذ بن خسرو الديلمي فسار في أعمالها وحمل المتغلبين هناك على طاعة الملك الرحيم حتى أذعنوا..استيلاء فلاستون على شيراز بدعوة طغرلبك. قد قدمنا أنه كان بقلعة إصطخر أبو نصر بن خسرو مستوليا عليها وأنه أرسل بطاعته سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة إلى الملك الرحيم عندما ملك رامهرمز واستدعى منه أخاه أبا سعيد ليملكه بلاد فارس فسار إليه في العساكر وملك البلاد ونزل شيراز وكان معه عميد الدولة أبو نصر الظهير قد استبد في دولته وساءت سيرته في جنده وأوحش أبا نصر مستدعيهم للملك فانتقض عليهم وداخل الجند في الانتقاض فشغبوا وقبضوا على عميد الدولة ونادوا بدعوة أبي منصور فلاستون واستدعوه وأخرجوا أبا سعيد عنهم إلى الأهواز ودخل أبو منصور إلى الأهواز فملكها وخطب لطغرلبك وللملك الرحيم ثم لنفسه بعدهما.
|